شاهدت الحلقة الأخيرة من برنامج «مفاتيح» للإعلامى والمحاور الأستاذ مفيد فوزى، التى استضاف فيها أول امرأة تدخل مجمع اللغة العربية بمناسبة احتفال يوم لغة الضاد. الاختيار ذكى، وضد التيار، وخارج النص، وتغريد خارج سرب برامج الجن والعفاريت واللت والعجن والثرثرة والردح والخناقات. التوقيت والمناسبة والاحتفال لا يتذكرها إلا إعلامى لماح لديه وعى ورؤية ولا يمارس الإعلام بمنطق «ريّح الزبون» و«شوف الزبون عايز إيه ودلعه»!! إن برنامجه يحاول رفع ثقافة ووعى وإدراك المواطن المصرى وحثه على التفكير النقدى. اختلف ما شئت مع مفيد فوزى، وانتقد آراءه السياسية كما يحلو لك، واشتبك معه فى تقييماته النقدية الفنية.. إلخ، إلا أنك عندما تقترب منه وهو يحضر برنامجه ستعرف خلطة البرنامج الناجح السحرية ولا تملك إلا أن تعجب بانضباطه وتدهش من نشاطه ومثابرته. مفيد فوزى ما زال يحضر لبرنامجه ويذاكر لضيفه ويجمع معلومات عنه وكأنه تلميذ يحضر لامتحان آخر السنة، ما زال ينتقى بلاغة سلسة سهلة ولغة رشيقة وتعبيرات منمقة وتشبيهات شيك معطرة برنّة صوت قريبة إلى القلب والروح برغم أن لغة الشارع المنحدرة هى التى باتت «تاكل مع الناس» كما تقول لغة الجيل الروش الجديدة وتجذب مشاهدين أكثر، إلا أن مفيد فوزى ما زال الألفة فى مدرسة الحوار الذى يكتشف كنوز الضيف ومنجم أفكاره وبئر نفط أسراره ولا يهيل عليه التراب حتى يردمه ويهلهله ويطفئ من جذوته ويجرّسه ويفضحه كما يفعل إعلاميون كثيرون يستخدمون جثث ضيوفهم كدرجة سلم فى صعود نجوميتهم الزائفة. «مفاتيح» برنامج مظلوم فى حفلة زار الإعلام المصرى وضوضائه المقززة المربكة المرتبكة، يحاول برغم الميزانية المتواضعة والإمكانيات القليلة أن يفتح طاقة نور فى العقل المصرى، يحاول أن يزيل ركام الصدأ وطبقات التكلس عن الوجدان المصرى، يحاول أن يجيب عن سؤال: هما المصريين راحوا فين، وهل مصر خلاص قطعت الخلف وماعادش فيها عباقرة زى زمان؟! فيقدم النموذج والقدوة والحلم والأمل. مفيد فوزى شاب تجاوز السبعين، ما زال يعطى، لا يستسهل، يكره الطلسأة، يعشق الإتقان لدرجة الوسوسة، اختلف مع بعض آرائه الكثيرون، ولكن الجميع احتفظ له باعتراف عنوانه: مفيد نختلف معاه لكنه شاطر وصنايعى وصحفى محترف وحكاء مدهش وعرف جيداً أن يصنع لنفسه شخصية إعلامية مميزة ولا يكون مسخاً أو استنساخاً أو «فوتوكوبى» لصحفى أو كاتب آخر. شكراً أستاذ مفيد على مفاتيحك التى أتمنى أن تفتح أقفال الإعلام المصرى المسوجرة المستعصية على فك الشفرة.